((~.~)) الـــــــــرســـــــــائـــــــــل الــــمــشــفــــرة ((~.~)) بـــقــلــم الخفافيش

جلست كعادتي على قارعة الطريق على كرسي إسمنتي بالقرب من صيدلية الأطلس ، كانت الساعة تشير إلى الخامسة و النصف مساءا و الشمس تختبئ وراء الأفق و ترسل أشعة ترسم في السماء لوحة جميلة جدا كأنها ستمطر عصير برتقال ، كنت قد أنهيت دوامي المدرسي صباحا ، حملت معي صديقي العزيز ، هو ليس صديقا بالمعنى المألوف ولكنه شيء يرافقني في كل أوقات فراغي ، صديقي هو "كّيتاري" كنت قد ابتعته منذ خمس سنوات و لم يفارقني ولو لوهلة حيث أصبحت ماهرا في العزف عليه بعد كل هذه العشرة الطويلة ، جلست على الكرسي الإسمنتي ، وكان هناك العديد من الكراسي المحيطة به ، وضعت رجلا على رجل و حملت قيثارتي و شددت على أوتارها أنسقها استعدادا لتجربة بسيطة على مقطع إسباني معقد ، بدأت في العزف و أنا منخرط في صمت طويل تاركا للأوتار حق التكلم و التعبير، تبعث الرسائل المشفرة حينا و تسأل و من تم تجيب نفسها في حوار جميل حينا آخر ، إلا أنني لم أتحكم في المقطع بشكل جيد ، حاولت مرات و مرات لكنني فشلت ، أطلقت تنهيدة طويلة و رفعت رأسي فإذا بي أشاهد الطلاب يخرجون من ثانوية الحسن الثاني القريبة، نظرت إلى ساعتي فإذا بها تشير إلى السادسة مساءا ، بدأت أنظر إلى جحافل الطلاب الذين يطوون شارع المغرب الكبير في نهم و توقفت عن العزف و أنا متكئ على قيثارتي أتطلع إلى المارين أمامي و أنا أقتبس من قسمات وجوههم ابتسامات ضحك و سرور من جهة و انخراط في سهو طويل من جهة أخرى ، الأمر لا يخلو طبعا من تعالي الصرخات و تردد الضحكات التي خلقت للشارع جوا مختلفا عن الهدوء الذي كان يعيشه منذ لحظات .. في خضم كل هذا بزغت فتاتي وسط الحشود .. ميزتها من بين عشرات الفتيات في شارع مزدحم بالمارة أظن أن قلبي هو من التقطها وليست عيناي ، فتاة في عمر الزهور ذات شعر أسود فاحم طويل ينسدل على كتفيها كستارة حريرية ، ووجهها الجميل كبدر اكتملت أيامه و فمها مرسوم كالعنقود ، كانت ترتدي فستانا أحمرا تكسوه قلوب بيضاء ضيق عند خصرها و متموج عند صدرها بقوام ممشوق كأنها تحتل الشارع كله بجمالها الأخّاذ و بابتسامتها التي تسلب الألباب ، كانت تتوسط فتاتين و الضحكات تنطلق منها كموسيقى أروع الألحان ، لم أكن أجرئ على مفاتحتها فما كنت ذلك الشجاع المقدام و ما كانت لدي تجارب كثيرة مع الجنس الآخر ، رسمت لجميلتي صورتا فضية و وضعتها مع النجوم و اكتفيت بالتطلع إليها فقط ..

توقفن قبالتي و من تم تحركت إحداهن صوب الصيدلية و جلست هي و صديقة لها في إحدى الكراسي الإسمنتية ، بدأت أتطلع إليها و هي تتبادل أطراف الحديث مع صديقتها و أنا أضع يدي على خدي فرمقتني بنظرة خاطفة و لمحت بين شفتيها الجميلتين ابتسامة رقيقة ، كان هناك شيء داخلي يحرضني على الوقوف أمامها و التحدث معها ولكني لم أكن أملك تلك الشجاعة للقيام بذلك ، أخدت أتطلع إليها في شوق كبير و شددت قيثارتي و هممت بعزف أجمل لحن تعلمته في مشواري ، لحن كلما وددت تذكرها قمت بعزفه ، تحركت الأوتار في هدوء و بدأتُ في عزف مقطوعتي الصغيرة ، رفعت رأسي و إذا بها تتطلع إلي بعينيها السوداويتين و شفتاها ترسمان إبتسامة جعلتني كالأبله و أنا أتطلع إليها ، كأنني فقدت الحاسة بين أصابعي التي تلعب بالأوتار و بين و بين عقلي الذي رحل إلى عالم آخر ، أكملت معزوفتي و بدأت الفتاتان بالتصفيق لي و أنا أضحكـ في هدوء ، سألتني الفتاة :


هل اسمك محمد ؟؟

ذهلت لأنها تعرف اسمي و رددت عليها في لطف ، نعم اسمي محمد و أنت ؟؟

أنا إسمي ليلى ..

اسمك جميل لكنني تمنيت لو كنت أدعى قيسا ..

انطلقت الضحكات من الفتاتين معا .. أنت تجيد العزف على هذه الآلة !!

ليس كثيرا ، ولكنها وسيلة للتعبير عن أشياء يصعب على الإنسان أن يصرح بها

بالفعل ، نسق الموسيقى تبعث رسائل جميلة

و هل فهمتي منها شيئا ؟؟

لا أدري في عالم الرسائل المشفرة شيئا ، و هل كنت تعني بها شيئا ؟؟

أشياء لا أستطيع البوح بها ،، أترك للألحان حرية التعبير عليها .. لم أسألك كيف تعرفت على اسمي ؟؟

هههههه هذه خصوصياتنا نحن الفتيات .. أنت تعرف أن هوايتنا هي الكلام و تناقل الأخبار

على العموم سعدت بالتعرف عليكـ ليلى ..

أنا أيضا ..


كانت هذه أولى الكلمات التي كانت بيني و بين جميلتي الحسناء قبل أن ترحل هي و صديقاتها يطوون شارع المغرب الكبير منعطفين إلى شارع الموحدين .. رحلت فتاتي بعد ان أيقنت أن الجرأة وحدها هي التي تجعل الشخص ناجحا عاطفيا و أن الخجل يجعل مشاعرنا مطمورة في داخلنا ..

قصة مؤثرة فعلا وحزينة لأنه لم يستطع الأعتراف بما يكنه لها من مشاعر وهذا أصعب شيء يمر به الانسان في حياته.
شكرا لك وليد وأتمنى ان لا يكون محمد هو نفسه انت

شكرا لك وليد